أول شروط الكتابة الإبداعية أو حتى العلمية، التمكن من اللغة و السيطرة على طاقتها الدلالية وتجنيبها السياقات ألا مناسبة ...
فالكتابة الإبداعية إضافة إلى هذا الشرط تستوجب أن تغتني الكلمات من خلال صياغتها التركيبية لتصنع بلاغة تخصص أسلوب صاحبها بيانيا و معاني; وبلاغة من شانها أن تغني المكتوب وتشحنه بإيحاءات توسع دائرة الدلالة و تمكن انفتاحها تفسيرا وتأويلا...
وهذا الاغتناء لن يكون إبداعيا بحشر الإيحاءات والخلط بين السياقات، بل بالحرص علي ما يمكن أن يخلق له جغرافية غير محدودة تعبرها دائما مسالك لا يضيع فيها القارئ، بل تفسح أمامه العوالم التي ينتظرها أو التي تفاجئه ولا يتعثر ولا يضيع فيها...
ليست الكتابة الإبداعية ضجيجا ولا ثرثرة،ولا كلاما مجنونا يصدر عن شخص مريض،معتوه،أو حاقد أو هستيري يظن انه " يعبر" عن رأي أو فكرة ملحة أو موقف، بينما هو يتحدث بما ينفلت عن بئره المظلمة حيث تتكدس المكبوتات والتيمات الشخصية بقصد التنفيس عن مشاعر المرض وعقد النقص أي أنها كتابة غير مسؤلة...الكتابة الإبداعية قد تظهر خادعة، ربما هي تخدع الكاتب والقارئ معا... لكنه خداع جميل لا يقبل سوء النية والقصد إلى الإذاية والتجريح، ولو كان تعرية لتجارب الذات الفردية أو الجماعية...لأنه خداع أخلاقي، جمالي غير ضار، بمعني انه يلبى حاجة الإنسان إلي الإبداع والمتعة والمعرفة... انه خداع جمالي بالمطلق،إذ يملأ الفراغ الذي يسود مناطق المجهول و حتى المعلوم في جغرافية هذا الكون والكينونة. فالكتابة بذلك لتكون إبداعية تتنافى والتعبير العشوائي والمرضي، كما يحدث لدى بعض من يتوهم وينفعل ويغضب. فتكون الكتابة لديه تصفية حساب. هذه الكتابة تموت، بل تقتل صاحبها و تجعله رميما في مقبرة الكتابة يستحق الرثاء ولا يقترب إلي باحة التاريخ والحقيقة أبدا إلا إذا كانت ساحة عفن ...
أما الكتابة العلمية فهي لا تقرب الخدعة... بل تتحاشى البلاغة إلا ما كان منها وبها بيانيا وفصاحة ومطابقة المقام والسياق لتؤدي "المعنى" بعيدا عن الذاتيات والأوهام والكذب والادعاء...فهي إبداع كشف واكتشاف وتمكين...
إن الكتابة خطاب مشروط... أما الذين يعانون من أمراض الكتابة قياسا وبناءا على ما لديهم من إعاقات ذهنية ونفسية فالكتابة لديهم مجرد تصعيد وإعلاء وتنفيس ومعانات حصر وخلط...
وقانا الله تعب قراءة كتابة المرضى وأبعدنا عن أصحابها شفاهم الله.